كنت هناك .. أجلس .. مسندة رأسي إلى الخلف ..
حول طاولة تظمني وامي .. وأختي أيضاً ..
مرت من امامي فتاة أحسست بها تعود لتقف بقربي ..
نظرت لها بتمعن .. ثم هببت واقفة والإبتسامة مرسومة على شفتاي ..
: نووووور .. غاليتي كم إشتقت لك ..
أخذت كل منا تضم الأخرى وتعبر لها عن شوقها ..
دعوتها للجلوس ولكنها أعتذرت فقريباتها بإنتضارها ..
تفهمت موقفها .. قبلتها ثم ذهبت ..
عدت مرة اخرى لأحضان كرسيي .. آآآآهـ .. مر زمن طويل لم أرها ..
أسندت رأسي للخلف وعدت بذاكرتي للوراء .. قبل خمس سنين ..
كنت فتاة طموحة ومجتهدة .. فعند إكمالي للمرحلة الثانوية .. لم اكتفي كباقي بنات القرية ..
بل قررت ان أكمل تعليمي بالجامعة .. عارض من عارض وأبى من أبى ..
ولكنني أصريت وتمسكت بموقفي ونلت مرادي ..
أذكر حينها كم بكوا لفراقي .. أمي .. أبي .. وأخوتي ..
حتى أخي .. فارس .. الذي لم يساورني الشك للحظة بأنه ليس من البشر .. بكى ..
ومنى آآآآآآآآآآآآآآهـ يامنى .. صديقتي وأختي وحبيبتي .. بكت كثيرا ً ..
كم رغبت بالمجيء معي ولكن أهلها رفضوا .. بل وتمسكوا بموقفهم .. بأن الزواج هو مصيرها لا الدراسه ..
كلهم جائوا ليودعوني .. كلهم .. سواهـ ..
لم يأتي .. إنتظرت .. وأنتظرت .. وأنتظرت ..
ثم رحلت ..
وهاقد مضت خمس سنين ..
لأعود والإنتظار لا زال يسكنني .. لم أمل ولن أمل .. وسأنتظر لأخر لحظة ..
صحوت من غفلتي .. على ندائات أختي ..
: ماذا ؟؟
: ستزف منى هيا .. إرتدي عبائتك ..
: عبائتي ولمَ ؟؟
: سيزف العريس هيا ... أسرعي ..
ضحكت بشدة ..
لبست عبائتي وقهقهاتي لا تزال تتوالى .. لم أكن لأتصور لهذه القرية أن تتحضر يوماً
فبعد أن كان العرس يقتصر على الرجال .. هاهم يقيمون أعراسهم في القاعات ليحضر من يحضر من النساء لا بل ويزف العريس أيضا..
آآآآآآآآآآهـ خمس سنين فقط هي التي غبتها .. وكأنها عشرين ..
تعالت أصوات الموسيقى التي سيخرج معها العروسين ..
وهاهم يسيرون بكل خيلاء .. إبتسم .. لطالما حلمت منى بليلة عرس خيالية .. وزفة ولا في الاحلام ..
وهاهي تحصل عليها ..
نظرت لها مطولاً .. ثم حولت بصري بنظرة خاطفة للعريس ..
و و و و ...
.
.
.
.
.
.
هنا تحطمت .. تبعثرت .. إنتهيت ..
ولم يبقى مني إلا الجسد ..
بدون شعور وبدون وعي وبدوني .. تحركت ..
مشيت .. تخطيت الجميع .. ووقفت امامهم ..
هنا يمكنني أن أرى بوضوح .. ويمكن أن تفقأ عيني مما سأراهـ ..
ضحكت بسخرية ..
أليس من المفروض أنني من يقف بقربك .. من يمسك بيدك .. من تحتضنه بصدرك الشاسع ..
أليس من المفروض أن تكون لي وأن أكون لك .. أليس أنا من أنتظر .. من سهر .. من بكى الفراق ..
كل هذا دار بعقلي ولكن لم يقوى لساني على نطقه ..
: مبروك منى .. مبروك .. فيصل ..
رأيت علامات الدهشة تنزرع بوجهه ..
ولكنني لم أعرها إنتباه .. بل تحركت بإتجاه الباب .. وخرجت ..
خرجت .. وتركت خلفي الماضي .. وقلبي .. وإنتظاري .. وانا ..
بقلمـــــــــــــــــــــــي /